إن مناهج التعليم في أي بلد تمثل أوضح وأصدق الوثائق الدالة على حقيقة أهداف النظام ، وملامح إستراتيجياته ، ولا يملك التدليس فيها كما قد يفعل في مجالات السياسة والاقتصاد وغيرها ، ذلك أن أي نظام يجعل أولويات نجاحه وأساسيات بقائه ما يلقنه للأجيال الناشئة ، عبر سنوات التعليم الطويلة ؛ وذلك ليضمن شيوع الفكر الذي يتبناه ، والأخلاقيات التي يريدها .
ولذلك نجد أن كل نظام جديد يحل في بلدٍ ما ؛ فإن أول ما يقوم بتغييره مناهج التعليم لتوافق أفكاره ومبادئه ، ومثال ذلك الشيوعية البائدة التي ما دخلت بلداً إلا وغيّرت مناهجه ، وصبغتها بالشيوعية الحمراء ، فإذا القدوات ماركس ولينين ، وإذا التاريخ فلسفة مادية وإذا الدين خرافة بشرية وهكذا .
ولهذه الأهمية الكبرى للتعليم حرص أعداء الإسلام على السيطرة على التعليم ومناهجه ، واعتبروا ذلك أولوية عظمى ، ومن هنا جاء دور المستعمر في وضع أسس ومناهج التعليم كما فعل كرومر ، ثم حرص على أن يخلف أذنابه في مناصب القيادة للمؤسسات التعليمية في البلاد الإسلامية ؛ لتستمر مسيرة التعليم بعيدة عن دين الأمة وتاريخها ومقوماتها حتى تتخرج أجيال لا تعتز بدينها ، ولا ترتبط بتاريخها ، ولا تميز بين عدوها وصديقها .
والكيان الإسرائيلي الغاصب يجعل التعليم أساساً لصياغة مجتمع اليهود ، فمنذ قيام إسرائيل ظهر الجهد المبذول في هذا المجال حيث تم التصديق على قانون التعليم المجاني في 12/9/1949م ، وينص القانون على إلزامية التعليم منذ سن 5سنوات في مرحلة الحضانة ، ويقول وزير المعارف اليهودي : " إن صمودنا أمام التحدي الكبير الذي يواجهنا يتمثل في مقدرتنا على تربية قومية ، مرتبطة بالتعاليم الروحية اليهودية " .
ويصل الأمر إلى الغاية في العمق عندما يعد التعليم من مستلزمات الدفاع الوطني ، كما قال صحفي يهودي : " تؤلف دبابات سنتوريون عاملاً من عوامل الأمن والسلامة للمستقبل القريب ، ولكن المدرسة والجامعة هي العامل الأكثر أهمية للمستقبل البعيد ".
ولهذا أصدرت إسرائيل قانون الإشراف على المدارس لسنة 1969م على جميع مدارس المناطق المحتلة ، ومن نصوص هذا القانون : " مناهج التعليم والكتب المدرسية ، والكتب المساعدة ، والوسائل التعليمية المساعدة ، ومنجزات التعليم في المدرسة تخضع لإشراف وزير المعارف والثقافة ، وتتناسب مع التعليمات العامة في نفس النوع من المدارس ".
ثم صدر الأمر العسكري في 29/8/1971م يقضي بمنع لائحة الكتب العربية في مدارس الضفة الغربية وشملت القائمة ( 109 ) كتاباً .
وسعى اليهود أيضاً بعد السيطرة على التعليم في الأراضي المحتلة إلى تغيير المناهج في الدول العربية عبر سياسات التطبيع .
ومن العجيب أن هذه الدول أجرت التغيير وفق المطالب اليهودية ، بشكل استيعابي دقيق ،لم يغفل مناهج التاريخ ، ولم يترك أناشيد الأطفال ، بل تناول التهذيب والحذف لآيات القرآن ، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم .
فما أعظم الخطر المنتظر للجيل القادم ! عندما تعمل المعاول في أسس التربية والتعليم ، وهي الدين واللغة والتاريخ .
فهل من انتباه ويقظة ؟ وهل من إدراك وخشية ؟ وهل من مقاومة وعمل ؟.