وذهبت طائفة رابعة إلى أنها تفعل بسبب من الأسباب وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها بسبب قالوا : وصلاته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثمان ركعات ضحى إنما كانت من أجل الفتح وأن سنة الفتح أن تصلى عنده ثمان ركعات وكان الأمراء يسمونها صلاة الفتح .
وذكر الطبري في " تاريخه " عن الشعبي قال لما فتح خالد بن الوليد الحيرة صلى صلاة الفتح ثمان ركعات لم يسلم فيهن ثم انصرف قالوا : وقول أم هانئ " وذلك ضحى " . تريد أن فعله لهذه الصلاة كان ضحى لا أن الضحى اسم لتلك الصلاة . قالوا : وأما صلاته في بيت عتبان بن مالك فإنما كانت لسبب أيضا فإن عتبان قال له إني أنكرت بصري وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي فوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكانا أتخذه مسجدا فقال أفعل إن شاء الله تعالى " قال فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه بعدما اشتد النهار فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى قال " أين تحب أن أصلي من بيتك " ؟ فأشرت إليه من المكان الذي أحب أن يصلي فيه فقام وصففنا خلفه وصلى ثم سلم وسلمنا حين سلم متفق عليه .
فهذا أصل هذه الصلاة وقصتها ولفظ البخاري فيها فاختصره بعض الرواة عن عتبان فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتي سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا
وأما قول عائشة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه فهذا من أبين الأمور أن صلاته لها إنما كانت لسبب فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين
فهذا كان هديه وعائشة أخبرت بهذا وهذا وهي القائلة ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى قط
فالذي أثبتته فعلها بسبب كقدومه من سفر وفتحه وزيارته لقوم ونحوه وكذلك إتيانه مسجد قباء للصلاة فيه وكذلك ما رواه يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا سلمة بن رجاء حدثنا الشعثاء قالت رأيت ابن أبي أوفى صلى الضحى ركعتين يوم بشر برأس أبي جهل . فهذا إن صح فهي صلاة شكر وقعت وقت الضحى كشكر الفتح .
والذي نفته هو ما كان يفعله الناس يصلونها لغير سبب وهي لم تقل إن ذلك مكروه ولا مخالف لسنته ولكن لم يكن من هديه فعلها لغير سبب . وقد أوصى بها وندب إليها وحض عليها وكان يستغني عنها بقيام الليل فإن فيه غنية عنها وهي كالبدل منه قال تعالى : وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا [ الفرقان : 62 ] قال ابن عباس والحسن وقتادة عوضا وخلفا يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن فاته عمل في أحدهما قضاه في الآخر
قال قتادة فأدوا لله من أعمالكم خيرا في هذا الليل والنهار فإنهما مطيتان يقحمان الناس إلى آجالهم ويقربان كل بعيد ويبليان كل جديد ويجيئان بكل موعود إلى يوم القيامة
وقال شقيق : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال فاتتني الصلاة الليلة فقال أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك فإن الله عز وجل جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا قالوا : وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على هذا فإن ابن عباس كان يصليها يوما ويدعها عشرة وكان ابن عمر لا يصليها فإذا أتى مسجد قباء صلاها وكان يأتيه كل سبت .
وقال سفيان عن منصور كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ويصلون ويدعون قالوا : ومن هذا الحديث الصحيح عن أنس أن رجلا من الأنصار كان ضخما فقال للنبي صلى الله عليه وسلم إني لا أستطيع أن أصلي معك فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ودعاه إلى بيته ونضح له طرف حصير بماء فصلى عليه ركعتين . قال أنس ما رأيته صلى الضحى غير ذلك اليوم رواه البخاري .