وذكر ابن جرير عن مغيرة عن إبراهيم إنهم كرهوا صوم الجمعة ليقووا على الصلاة .
قلت المأخذ في كراهته ثلاثة أمور هذا أحدها ولكن يشكل عليه زوال الكراهية بضم يوم قبله أو بعده إليه .
والثاني : أنه يوم عيد وهو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم وقد أورد على هذا التعليل إشكالان . أحدهما : أن صومه ليس بحرام وصوم يوم العيد حرام . والثاني : إن الكراهة تزول بعدم إفراده وأجيب عن الإشكالين بأنه ليس عيد العام بل عيد الأسبوع والتحريم إنما هو لصوم عيد العام .
وأما إذا صام يوما قبله أو يوما بعده فلا يكون قد صامه لأجل كونه جمعة وعيدا فتزول المفسدة الناشئة من تخصيصه بل يكون داخلا في صيامه تبعا وعلى هذا يحمل ما رواه الإمام أحمد رحمه الله في " مسنده " والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود إن صح قال قلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم جمعه " . فإن صح هذا تعين حمله على أنه كان يدخل في صيامه تبعا لا أنه كان يفرده لصحة النهي عنه .
وأين أحاديث النهي الثابتة في " الصحيحين " من حديث الجواز الذي لم يروه أحد من أهل الصحيح وقد حكم الترمذي بغرابته فكيف تعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة ثم يقدم عليها ؟
والمأخذ الثالث سد الذريعة من أن يلحق بالدين ما ليس فيه ويوجب التشبه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرد عن الأعمال الدنيوية وينضم إلى هذا المعنى : أن هذا اليوم لما كان ظاهر الفضل على الأيام كان الداعي إلى صومه قويا فهو في مظنة تتابع الناس في صومه واحتفالهم به ما لا يحتفلون بصوم يوم غيره وفي ذلك إلحاق بالشرع ما ليس منه . ولهذا المعنى - والله أعلم - نهي عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالي لأنها من أفضل الليالي حتى فضلها بعضهم على ليلة القدر وحكيت رواية عن أحمد فهي في مظنة تخصيصها بالعبادة فحسم الشارع الذريعة وسدها بالنهي عن تخصيصها بالقيام . والله أعلم .
فإن قيل ما تقولون في تخصيص يوم غيره بالصيام ؟ قيل أما تخصيص ما خصصه الشارع كيوم الاثنين ويوم عرفة ويوم عاشوراء فسنة وأما تخصيص غيره كيوم السبت والثلاثاء والأحد والأربعاء فمكروه . وما كان منها أقرب إلى التشبه بالكفار لتخصيص أيام أعيادهم بالتعظيم والصيام فأشد كراهة وأقرب إلى التحريم