والمقصود أنه كان يفعل في الصلاة شيئا أحيانا لعارض لم يكن من فعله الراتب ومن هذا لما بعث صلى الله عليه وسلم فارسا طليعة ثم قام إلى الصلاة وجعل يلتفت في الصلاة إلى الشعب الذي يجيء منه الطليعة ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الالتفات في الصلاة وفي " صحيح البخاري " عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة ؟ فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد
وفي الترمذي من حديث سعيد بن المسيب عن أنس رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان ولا بد ففي التطوع لا في الفرض ولكن للحديث علتان
إحداهما : إن رواية سعيد عن أنس لا تعرف .
الثانية إن في طريقه علي بن زيد بن جدعان وقد ذكر البزار في مسنده من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة للملتفت
فأما حديث ابن عباس : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره " فهذا حديث لا يثبت قال الترمذي فيه حديث غريب .
ولم يزد . وقال الخلال أخبرني الميموني أن أبا عبد الله قيل له إن بعض الناس أسند أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ في الصلاة . فأنكر ذلك إنكارا شديدا حتى تغير وجهه وتغير لونه وتحرك بدنه ورأيته في حال ما رأيته في حال قط أسوأ منها وقال النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ في الصلاة ؟ يعني أنه أنكر ذلك وأحسبه قال ليس له إسناد وقال من روى هذا ؟ إنما هذا من سعيد بن المسيب ثم قال لي بعض أصحابنا : إن أبا عبد الله وهن حديث سعيد هذا وضعف إسناده وقال إنما هو عن رجل عن سعيد وقال عبد الله بن أحمد : حدثت أبي بحديث حسان بن إبراهيم عن عبد الملك الكوفي قال سمعت العلاء قال سمعت مكحولا يحدث عن أبي أمامة وواثلة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة لم يلتفت يمينا ولا شمالا ورمى ببصره في موضع سجوده فأنكره جدا وقال اضرب عليه . فأحمد رحمه الله أنكر هذا وهذا وكان إنكاره للأول أشد لأنه باطل سندا ومتنا .
والثاني إنما أنكر سنده وإلا فمتنه غير منكر والله أعلم .
ولو ثبت الأول لكان حكاية فعل فعله لعله كان لمصلحة تتعلق بالصلاة ككلامه عليه السلام هو وأبو بكر وعمر وذو اليدين في الصلاة لمصلحتها أو لمصلحة المسلمين كالحديث الذي رواه أبو داود عن أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية قال ثوب بالصلاة يعني صلاة الصبح فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب .
قال أبو داود يعني وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس فهذا الالتفات من الاشتغال بالجهاد في الصلاة وهو يدخل في مداخل العبادات كصلاة الخوف وقريب منه قول عمر إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة . فهذا جمع بين الجهاد والصلاة . ونظيره التفكر في معاني القرآن واستخراج كنوز العلم منه في الصلاة فهذا جمع بين الصلاة والعلم فهذا لون والتفات الغافلين اللاهين وأفكارهم لون آخر وبالله التوفيق