ثم كان صلى الله عليه وسلم ينهض على صدور قدميه وركبتيه معتمدا على فخذيه كما ذكر عنه وائل وأبو هريرة ولا يعتمد على الأرض بيديه وقد ذكر عنه مالك بن الحويرث أنه كان لا ينهض حتى يستوي جالسا وهذه هي التي تسمى جلسة الاستراحة .
واختلف الفقهاء فيها هل هي من سنن الصلاة فيستحب لكل أحد أن يفعلها أو ليست من السنن وإنما يفعلها من احتاج إليها ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد رحمه الله . قال الخلال رجع أحمد إلى حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة وقال أخبرني يوسف بن موسى أن أبا أمامة سئل عن النهوض فقال على صدور القدمين على حديث رفاعة . وفي حديث ابن عجلان ما يدل على أنه كان ينهض على صدور قدميه وقد روي عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذه الجلسة وإنما ذكرت في حديث أبي حميد ومالك بن الحويرث .
ولو كان هديه صلى الله عليه وسلم فعلها دائما لذكرها كل من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم ومجرد فعله صلى الله عليه وسلم لها لا يدل على أنها من سنن الصلاة إلا إذا علم أنه فعلها على أنها سنة يقتدى به فيها وأما إذا قدر أنه فعلها للحاجة لم يدل على كونها سنة من سنن الصلاة فهذا من تحقيق المناط في هذه المسألة .
وكان إذا نهض افتتح القراءة ولم يسكت كما كان يسكت عند افتتاح الصلاة فاختلف الفقهاء هل هذا موضع استعاذة أم لا بعد اتفاقهم على أنه ليس موضع استفتاح ؟ وفي ذلك قولان هما روايتان عن أحمد وقد بناهما بعض أصحابه على أن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة ؟ فيكفي فيها استعاذة واحدة أو قراءة كل ركعة مستقلة برأسها . ولا نزاع بينهم أن الاستفتاح لمجموع الصلاة والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر للحديث الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة ب الحمد لله رب العالمين ولم يسكت وإنما يكفي استعاذة واحدة لأنه لم يتخلل القراءتين سكوت بل تخللهما ذكر فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمد الله أو تسبيح أو تهليل أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الثانية كالأولى سواء إلا في أربعة أشياء السكوت والاستفتاح وتكبيرة الإحرام وتطويلها كالأولى فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يستفتح ولا يسكت ولا يكبر للإحرام فيها ويقصرها عن الأولى فتكون الأولى أطول منها في كل صلاة كما تقدم .